أنسي الحاج
جريدة الأخبار اللبنانيّة
السبت ٢ شباط ٢٠١٣
■ سوريا في كتاب
«المطالب الصحيحة للشعب السوري، وهي الحريّة والديموقراطيّة والقضاء على النهب والفساد، ومحاسبة اللصوص والمجرمين، وتأسيس دولة عصريّة جديدة، لا يجادل فيها أحد. لكنّ هذه الغايات النبيلة راحت تتحوّل على أيدي الجماعات التكفيريّة والجماعات الثأريّة والطائفيّة والعصابات المقاتلة إلى مجرّد صرخة (…) وما نخشاه هو أن تكون غاية الحرب في سوريا هي فرط الجماعة الوطنيّة وتفكيك الاجتماع البشري السوري، الأمر الذي سيؤدّي إلى فرط الدولة التي نشأت على فكرة العروبة، عقب الاستقلال، وسيكون من المحال إعادة تكوينها إلّا بصورةٍ شوهاء، وعلى هيئة المجتمع المفكّك والمتكارِه والمتعصّب.
العروبة هنا قوّة دمج لمجتمعٍ شديد التعدّد والتنوّع. ومن دون العروبة لن يتمكّن السوريّون من بناء دولة المستقبل القائمة على المواطَنة المتساوية، بل سيتحوّلون إلى سنّة وعلويّين وإسماعيليّين ودروز ومسيحيّين وأكراد وتركمان وشراكسة وإيزيديّين وأرناؤوط وأبخاز، مجرّد متحف بشري لأقوام متناحرة».
في كتابه الجديد «أعيان الشام وإعاقة العلمانيّة في سوريا» (المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر) يقدّم الباحث صقر أبو فخر صورةَ أشعّة مفصّلة للواقع الجغرافي _ السياسي السوري انطلاقاً من القرن التاسع عشر، كاشفاً، وبالتركيز على الأحداث التي راحت تتوالى منذ 1963، عن العوامل التاريخيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة التي تضافرت لتمكين الاستبداد من التحكّم في سوريا.
يعلن أبو فخر «انحيازه التام» إلى تيّار الديموقراطيّة والعلمانيّة في الأقطار العربيّة، «وهذا الانحياز يضعني في مواجهة فكريّة وسياسيّة مع التيّارات الإسلاميّة السلفيّة والأصوليّة معاً، وفي مواجهة مباشرة مع الاستبداد. وخياري هو الدولة الديموقراطيّة العلمانيّة العربيّة التي تكون فلسطين جزءاً عضويّاً من ثقافتها وتفكيرها السياسي وتكون القضيّة الفلسطينيّة ركناً أساسيّاً من سياستها الخارجيّة. وهذا الأمر ليس معروضاً على جدول الجماعات الإسلاميّة المتحرّكة في سوريا اليوم».
يسلّط الكتاب ضوءاً بليغاً على العزلة الأليمة التي صارت إليها فكرة العروبة الديموقراطيّة المتنوّرة. كانت الحكومة السوريّة الأولى تضم وزراء من العراق وفلسطين والأردن ولبنان ومارونيّاً من دير القمر. صورة مصغّرة عن رؤية السوريّين للوحدة. كأن المعلّم بطرس البستاني هو الذي شكّل تلك الحكومة. بصرف النظر عن أصوات متعصّبة تكفيريّة كانت وما زالت تشوّه صورة العرب في جميع بلدانهم، كانت سوريا لا قلب العروبة النابض فحسب بل قلب العروبة العلمانيّة الديموقراطيّة التوحيديّة الجامعة المترفّعة الحكيمة العليمة. وهو ما كتّل ضدّها الجهود الاستعماريّة لتفكيكها ومحاولة تقسيمها منذ الانتداب الفرنسي وسَلَخ ما سُلِخ منها هنا لتركيا وهناك للبنان وهنالك لإسرائيل.
ننصح بمطالعة هذا الكتاب بوجه خاص لأجيال اليوم الذين تُغيَّبُ عنهم حقائق التاريخ. وننصح بمطالعته للمندفعين إلى التيّارات الانغلاقيّة والظلاميّة ليكتشفوا كيف شعَّت فكرة العروبة والدولة العربيّة العابرة الأديان والأعراق من دمشق بني أميّة. وننصح بمطالعته لحكّام سوريا ومعارضيهم معاً، علّهم يجدون حلولاً لمشاكل الأقليّات والقمع والإرهاب والخوف خارج هذا الدم الذي لا ينتهي.
ونضمّ صوتنا إلى صوت الأستاذ أبو فخر في جمعه كذلك بين رفض الاستبداد ورفض الأصوليّات والسلفيّات الإسلاميّة. ومن الهراء اللحاق بموجات المواقف، أيّاً تكن وجاهتها، التي تسمح لأنهار الدمار والدم بأن تستمر في التدفّق. لا بدّ من طرف ثالث فوق النزاع المتوحّل، أقوى من السلطة ومن محاربيها، يحمل مشروعاً ديموقراطيّاً علمانيّاً توحيديّاً ويتمكّن من حمايته وإيصاله.
طرف ثالث نتمنّى أن يكون داخليّاً ولا يجوز أن يكون إلّا داخليّاً. سوريا بحاجة إلى إنقاذ لا إلى غَلَبة.
■ انطواء «الآداب»
كلّما توقّفت مجلّة أدبيّة عن الصدور تموت في نفوسنا حوريّة. وداعاً لـ«الآداب». انطفأتْ شمعةٌ عربيّة من لبنان. صدرت بروحين، روح سهيل إدريس المنفتحة والمصارِعة أدبيّاً وروح سماح إدريس الصادقة والمصارِعة سياسيّاً. منذ الخمسينات إلى البارحة حملت «الآداب» مشعل الأدب والفكر أصالةً وتَجدّداً وكادت مراراً تتوقّف عن الصدور لولا الصبر والعناد. الجيل الأوّل من القرّاء كان شديد الحماسة والجيل الثاني شديد الضياع. بات سحر الورق لا يفعل إلّا في جاليات من هنود الذوّاقة الحمر.
مَن منّا، قرّاء وكتّاباً، لم ينشغف بـ«الآداب» إيجاباً أم سلباً. كاد لم يبقَ ذو نور في العالم العربي إلّا أطَلَّ منها أو أطلّ عليها.
وها هي تموت مجلّة في حجم العالم العربي.
■ تَبادُل أم لا تبادل؟
هل مَن تراهن عليه في خيالك مسؤول عن فشل رهانك؟
ومَن لم تَنقل له أفكارك هل تعتبره مسؤولاً عن لامبالاته بها؟
«يجب» أن يكون كذلك، في نظر المؤمنين بحتميّة التبادل: فمَن تكرهه لا بدّ أن يكرهك ومَن تحتاجه لا بدّ أن يحتاجك. والأهمّ: مَن تحبّه لا بدّ أن يحبّك.
بشرط أساسيّ وهو أن يكون بين الفريقين إقامةٌ في موجة واحدة، فيتمكّن الواحد من رؤية الآخر ومقاربته مباشرة.
كنتُ من المعتقدين بالتبادل الشعوري، على أن يكون الشخصان كالقابس والمقبوس، على اتصال كهربائيّ أو مغناطيسيّ، هذا يأخذ والآخر يعطي، وكلاهما في الواقع يأخذ ويعطي، فالضوء نتاج الاثنين ولا يعود السلب هنا سلباً صرفاً وإنّما سلْبٌ انتظاريّ يحدوه شوقُ التحوّل بدوره إلى إيجاب. وهو شوقٌ إذا نفد صبره قد ينغمس في اتخاذ المبادرة.
تقلّ نسبة صحّة هذه النظريّة بارتفاع الفوارق العمريّة والمزاجيّة والثقافيّة، وتغدو نقاط القوّة في كفّةِ الصِبا أكبر من عناصر الجذب في كفّة الكهول والكهلات والشيوخ والشيخات. في بعض الأحيان يبدو أنْ لا وجود إطلاقاً لما يحول دون تلاقي الطرفين، ومع هذا لا يتلاقيان. قد يكون العائق خفيّاً، لكنّه موجودٌ بالتأكيد، وغالباً ما نعثر عليه في غرورِ أحد الطرفين وتوهّمه أنّ هذا القَدْر الجارف من الرغبة لديه لا يمكن أن يُقابَل إلّا بمثله.
لا نتحدّث هنا عن المعشاق والمعشاقة، فالحالة الدونجوانيّة منفتحة على «الطريدة» أيّاً تكن شرط تمتّعها بما يفتح الشهيّة. نتحدّث عن تلاقي الراغبين في نمط معيّن.
ونتساءل من جديد: مَن يتحمّل مسؤوليّة عدم تحقّق مثل هذه العلاقات إذا توافرت عناصر الجذب والانجذاب؟ هل هو غيابُ عناصر أخرى؟ أم هو عدم التصارح في تبادل المشاعر واتّكال كلّ واحد على مبادرة الآخر؟
لقد انطلقنا من افتراض وجود التبادل الشعوري حتماً. لكنّ الواقع غير ذلك. الواقع يقول إنّ الحبّ (أو الكره) ليس دوماً متبادلاً، والحبّ من طرف واحد موجود وقد يدوم أكثر من الحبّ المتبادل، ولعلّه يبدو أجمل للمتفرّج عليه كما يتفرّج السائح على معروضات المتحف. ويقول الواقع إنّ «حتميّة التبادل» خرافة ابتكرها عشّاقٌ نرجسيّون لا يصدّقون أنّ هناك معشوقات لا يبادلنهم شعورهم، أو عشّاق جبناء يعتصمون بأوهامهم.
وما أغزر ابتكارات الضعفاء والجبناء!
أيّاً يكن، يبدو كأنّنا لا نختار. لا مَن نحبّه نختاره ولا مَن نختاره. فنحن نجد دون أن نبحث. أو هو يُوْجَدُ لنا…
وعندما لا يعود هذا ولا ذاك تكون الغربة قد جاءت.
عابــرات
انخداعُ الذَكَر بالأنثى هو في الاتجاه الجمالي وانخداعُ الأنثى بالذكر هو في الاتجاه الكمالي.
■ ■ ■
كلّما قيل إنّ العالم يتغيّر تذكّرتُ أنّ المشاعر ذاتها ما زالت تعروني حيال الأشخاص أنفسهم وللأسباب ذاتها.
■ ■ ■
أجملُ ما أحبّه فيكِ أنّكِ متنبّهة لما تُحْدثينه في الآخر أكثر ممّا أنتِ متنبّهة لمشاعركِ حياله.
■ ■ ■
مهما بلغتِ من الأنانيّة فستظلّين وراء الرجل الأناني بمسافات. كلّ شيء في الطبيعة يحدُّ من أنانيّة المرأة، من الخجل إلى حاجة الإعجاب ومن الحَمْل والأمومة إلى ما فُطرت عليه من شفقة. ثم إنّ أنانيّة المرأة مَصْيَدة لها وأنانيّة الرجل مصيدة للآخرين.
■ ■ ■
مهما بلغت المرأة من الذكاء فسيظلّ ذكاؤها قاصراً عن إنارة نفس الرجل أمامها كما ينيرها لها الحَدْس. مهما بلغ الرجل من الفحولة فلن يتوصّل إلى اشتهاء المرأة كما تشتهي المرأة بدون ستارة خياله الحمراء.
Post a Reply