الدكتور نبيل علي
تصبو العولمة الراهنة في العصر الرقمي إلى احتواء كل أنشطة الإنسان، وممارساته،وعلاقاته وأفكاره وقيمه ومعتقداته وأمور تنميته وبيئته وصحته وشغل أوقات فراغه، بالإضافة إلى كل ما يتعلق بالسيادة والهوية وحقوق الأقليات والملكية الفكرية. العولمة إذن-كما يقول محمد عابد الجابري- ليست آلية من آليات التطور الرأسمالي بل هي أيضا، وبالدرجة الأولى، أيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم.
إن العولمة في حقيقة أمرها، ما هي إلا أدلجة متسرعة ذات طابع انتهازي، تتم في غيبة من الأيديولوجيات المناهضة، وتستند إلى فكر منحاز ومعرفة عارضة وعلم زائف من قبيل نهاية التاريخ وصراع الحضارات، والفوضى الخلاقة، وما شابه، وعلى الرغم من طابعها الأيديولوجي، فهي تقدم رؤيتها الكونية بوصفها نقيضا للأيديولوجيا، زاعمة أن الجنس البشري لديه القدرة لأورة مرة على بناء مستقبله لا على أوهام أيديولوجية سقيمة، بعلى على مجموعة من الأسس والقيم العامة المشتركة بين البشر جميعا. وتنطلق هذه النظرة من اعتقاد مؤسسيها أن حداثة الغرب لا نهاية لها ولا تعمل على نمط نهائي فهي إلى تطوير مستمر، وأن نموذج الاقتصاد الليبرالي القائم على تحرير الأسواق هو نمط التقدم الذي يناسب الجميع.
وما أبعده حلما على الواقع، فها هي حداثة الغرب تعاني الأزمات على عدد من الجبهات، وترتفع الأصوات المناهضة لها إلى حد إعلان القطيعة التامة معها من قبل معظم مفكري ما بعد الحداثة، وتؤكد حقائق الواقع، وأرقام الإحصاءات، أن عولمة الأسواق لا تقيم تلك القرية الكونية الي لا يملون الحديث عنها، وعن ذلك الوئام الذي يعم في أرجائها، ينعم فيه الجميع بسلام دائم على أسس من خلق عالمي يلتزم به البشر كافة، وإن لم ..فإزلام يُفرض بقوة القانون من خلال المنظمات الدولية، وعسى أن يكون في الكساد الاقتصادي الذي حل بالعالم أخيرا، من جراء هذا الفكرة العولمي المؤدلج قصير النظر، عبر لمن يتعظ.
Post a Reply