عيــــــــــون- أنسي الحاج

 

أنسي الحاج
جريدة الأخبار اللبنانية 
 السبت ٢٣ شباط ٢٠١٣
 
 
ليكنْ باقي جسدكِ في مستوى عينيكِ.
 
■ ■ ■
نظرةٌ تسبق سقوطاً في الأحضان مع أنّها تقول غير ذلك.
نظرةٌ محجبَّة تزيح المعطف عن عري.
نظرةٌ ستخون لحسن حظّ البراءة.
نظرةٌ وَجَدَتْني.
نظرةٌ سوف أظلّ أبحث عنها فأجدها ولن تعود تجدني.
 
■ ■ ■
في نظرات الغريب يختلط الخجل بالوقاحة. من مسافةِ أمتارٍ في المقهى، بين طاولةٍ وطاولة، يأخذ التجاذب مداه. يتداعب الغريب والغريبة ويتعانقان بالعيون من وراء أكتاف رفاقهما. ثم ينفرط الجمع وتؤوب رياح الرغبة.
كم من حبٍّ اكتملَ بالنظر ثم ضاع إلى الأبد!
 
■ ■ ■
يختفي الإنسانُ لا حين يموت بل حين لا تعود العيون تتوقّف عنده. فليمتشق عيون الذاكرة، لا فرق.
الحِيَلُ لا تنفع ضدّ الزمن. ربّما تنفع في ما بعد الزمن. الحِيَل لا تنفع إطلاقاً. الشخص الذي تنحسر عنه العيون سينجو باعتبارها هي التي اختفت!
 
■ ■ ■
عيناكِ سماءٌ تستحمُّ من رأسها حتّى جحيمها.
 
■ ■ ■
لا يكفي أن نَرى: يجب أن نُعمى من الرؤية!
 
■ ■ ■
يضحك وجهكِ كدعوةٍ إلى الرقص وتَسْوَدُّ عيناكِ كطلائع العاصفة.
 
■ ■ ■
العيون طبقات، أعظمها تلك التي تمتلك موهبتين: إشعاركَ بالذنب حتّى الذوبان وغَسْلُكَ منه حتّى الهذيان.
 
■ ■ ■
أجملُ ما في حبٍّ عنيف، أن يمارس وجوده برقّةٍ متناهية.
 
■ ■ ■
العيون ليست مرايا روح صاحبها بل المرايا هي في الناظر إلى العيون. والروح، الروح، الروح هي في عينَي الناظر إلى العيون.
الروح هي البخور المتصاعد من ناظرَي الناظر.
 
■ ■ ■
عينا المرأة خصوصاً. متّصلتان بأعمق من أحلامنا. متّصلتان بأمّهاتنا. بوعدٍ مهما تَحَقَّق يظلّ إلى الأمام.
 
■ ■ ■
لملمي أسراركِ. لا تظهري لي منها إلّا الفتّان.
أنا وَلَدٌ شجاع ولكنْ ليس إلى حدّ تَقَبُّل الوقائع.
 
■ ■ ■
ليكنْ باقي جسدكِ في مستوى عينيكِ.
 
■ ■ ■
العيون التي لا ترى هي المسؤولة عن إعدام الحبّ. العيون الباردة الجامدة. العيون التي تُجمّد القلب ولا تغرقه.
لا أظنّ بلداً أغنى من بلدي بهذا المقدار من العيون السوداء. ومع هذا قليلها يبْرق. حتّى الغيم، سواء غيم الحزن أو غيم الغباء، يكاد لا يخطر فيها. لم تكن هذه العيون العاديّة، لم تكن من زمان… ما الذي جاء بها؟ ما الذي سبَّبها؟
هذه العيون هل تعرف ماذا تفعل بالعيون المحترقة على انتظارها؟
وهل غَصّتكَ إلّا لأنّك عشت؟
عيونُ غزلانٍ لا تَدْمع، هذه العيون الجديدة. عيون ماء لا يروي. عيونٌ مهاجرة منها روحها. عندما تنظر العيون العاشقة إلى هذه العيون الباردة، اليوميّة، يحكم الظلمُ الأرض.
لا يشبع الجائع وإلّا مات. والذاكرة لا تُغْني بل تُفْقِر. وكيف يُسأل الهائم عن غايته وهو هائم؟ وهل يقال للضائع استَرِحْ؟
العيون تعرف الجواب. العيون كانت تعرف الجواب. كانت تعرف المهجة والخطيئة والليالي. العيون كانت تتعارف في ما بينها.
العيون هي الأفيون. انظرْ مليّاً ترَ دخانه يحوّم تحت الجفون.
 
■ ■ ■
تاه ذاهب اللبّ كسيراً دامي القلق. اندلعت في صدره لهبة الخوف. انسدّت الدنيا في عينيه وتغلّقت النوافذ، تغلّقت الوجوه، تغلّقت الأبواب.
وأطلّت عليه عينا بلاغةِ النظر، فوقع في أسْر قضبان سجنهما، وعَبَر من تيه الاختناق إلى تيه الأسْر اللذيذ.
 
■ ■ ■
الكحل غير كافٍ. طوّقي عينيكِ بأحلامِ الرجال.
 
■ ■ ■
ابتسامتكِ استقبال، ضحْككِ ترحيب، ظلمةُ عينيكِ السكرى تنادي: كسّرْ غصوني!
 
■ ■ ■
العيون تجعل رائيها شريكاً في سفك دمه.
 
■ ■ ■
… وأجملها ما تختزن ذكرياتها لتهديها إلى الناظر. ما تَفتتح الأمل. أجملها ما تظنّه بين الصمت والبكاء، بين الخوف واللهفة. تلك العيون التي لم يخفق صدر مثل خفقانه لها، لم يُكتَب أجمل ممّا كُتب تحت تأثيرها.
العيون التي ينتسب إليها الرائي بكلّ يديه، بنداء أحشائه، العيون الميناء، العيون المُنجّمة، عيون النداء والحماية، عيون الأهداب الإلهيّة، عيونُ خَلْع الأبواب، تلك العيون لمَ لم نعد نلتقيها؟ لمَ لم تعد تنظر إلينا؟
… الحِيَلُ لا تنفع ضدّ الزمن…
اسبَقْهُ!…
***
ليكنْ باقي جسدكِ في مستوى عينيكِ.
 
■ زواجٌ هنا طلاقٌ هناك
استوقفني كلامُ السيّدة أوغاريت يونان في برنامج «بموضوعيّة» مع وليد عبّود على «ام.تي.في» الاثنين الفائت. كلامٌ ينبّه رجال الدين إلى ضرورة الكفّ عن التخويف والمَنْع والبدء بالبحث عن حلولٍ للمشاكل. استوقفتني شجاعةُ يحيى جابر وفراس حاطوم ونانسي السبع. وفرادةُ الأب جورج مسّوح وهو يعلن علمانيّته وتأييده المطلق للزواج المدني. نوابٌ يمعنون في تمزيق البلد مذاهب عبر إقرار المشروع الأرثوذكسي (الأرثوذكسي الحقيقي كان الأب مسّوح ذلك اليوم) ونُخَب من المجتمع تجهر بعلمانيّتها ورفضها التعصّب واحتقارها كلّ ما يؤدّي إليه.
لماذا الزواج المدني، والزواج المدني الإلزامي تحديداً، مع جعل الزواج الديني اختياريّاً؟ لأنّه السبيل الوحيد لاختلاط الدم الطائفي وإنجاب أجيال تنمو في منأى عن التمييز الديني. هذا هو الحجر الأوّل في مشروع بناء الدولة وفي التهيئة لولادة مواطن مدني لا نعجة طائفيّة.
وبورك في موقف رئيس الجمهوريّة.
 
■ خلافاً لما نظنّ
الموت صعبٌ في البداية. يهون مع الوقت. في السنوات الأولى من العمر هو موت. في الطفولة إجهاض، في الصبا قَتْل، في الكهولة ألم، وفي الشيخوخة إجهاز.
خلافاً لما نظنّ، الشيخوخةُ ليست عمراً. الشيخوخة إشاحةُ النظر عنك. يصبح كلّ الزمن في العجوز ويصبح العجوز، عوضَ أن يتوهّج بكنز الزمن، نعشاً له.
خلافاً لما نظنّ، الجمالُ ليس الجمال، ليس العينين ولا الفم ولا فنّ الحبّ، الجمالُ هو الصبا. الحياة هي الصبا. انتحارُ العجوز ليس انتحاراً بل هو إتمامٌ لمراسم التواري.
خلافاً لما نظنّ، الإمعانُ في العمر ليس شجاعة، ليس دليل عافية، إنّه شراهةُ المُسنّ اللزجة، ولا أحد يحبّها. إذا بقي العجوز صالحاً لرواية حكايات الأطفال، فهذا مبرّرٌ لوجوده. احكِ أيّها العجوز للطفل كي يحلم، لم يعد بينك وبين الحلم غير هذه الصلة.
الموت صعبٌ في البداية. النهايات يَسْترها الموت.
 
© 2013 www.ashrafkanjo.com