مخيم اليرموك..هـرقـل جديد لفـتـنة سورية-فلسطينية

أشرف كنجو

صدرت التعليمات لإرهابيي السلفية في العالم و الذين يحاربون في سوريا بنقل نشاطهم الإرهابي  إلى مخيم اليرموك ذي الغالبية الفلسطينية، ليس عبثاً أو عن سوء نية بل بشكل متعمد لتحقيق هدف قذر آخر في شباك سورية الجريحة، حاولوا تحقيقه فيما سبق في محاولات باءت معظهما بالفشل لإحداث انقسام سوري-فلسطيني، فارتأوا معاودة الكرة مع تسليط إعلامي أقوى وأقذر علّها تفيد المحاولة الجديدة، ولا يهمّ أيّاً كان عدد القتلى ولا الدماء المسفوكة في حرب ميكافيليتها كفيلة بتبرير كل الدماء والجثث والدمار والخراب للوصول إلى الغاية.

قاتل هؤلاء الإرهابيون في مخيم اليرموك محتميين بالدروع البشرية التي تقطن المنطقة، كما في كل حروبهم القائمة على دخول مناطق المدنيين واتخاذهم كدروع بشرية، غير آبهين بحرمة الأماكن الدينية والمرافق العامة ذات السبغة الإنسانية الخاصة كدور العبادة والمشافي والمدارس وغيرها ، لذلك  كان من الطبيعي أن يقع ضحايا مدنيين من سكان المنطقة في الاشتباكات التي جرت بين الجيش السوري وجحافل الإرهابيين هنالك،كما حصل في كل منطقة سورية دخلها هؤلاء الإرهابيون . وهنا يتم الخلط عمدا من قبل وسائل الإعلام التي تدير الدفة الرئيسية في الحرب على سوريا، كما حصل أيضا في كل منطقة، بإن الجيش السوري الذي يمارس مهامه الوطنية وفق مقتضيات الدستور في الدفاع عن البلد وأهله هو المتسبب في سقوط الضحايا المدنيين، في حين أن هؤلاء الإرهابيين هم الملائكة المساكين المغلوب على أمرهم ، رغم أنهم هم أنفسهم الذين  شرعوا في معركة جلّ أملهم فيها أن يوقعوا العدد الأكبر من الضحايا المدنيين تمهيدا لدور الإعلام المناط به إكمال النصف الآخر من المعركة، من خلال لعب  دور العدد العاملي الذي يقوم بمضاعفة عدد القتلى، مع الحرص على إلصاق تهمة إزهاق تلك الأرواح البريئة بالجيش العربي السوري .

 كلنا نعرف أنه في حرم الموت والشهادة تحديدا ترفع كل الأقلام وتجف كل الصحف، لكن عار علينا أيضا أن نقتل شهداءنا مرتين ،مرة بإزهاق أرواحهم البريئة والمرة الثانية بتزوير هوية عدوهم وقاتلهم. من حق الدم السوري أن يعرف سافكه، من حق الروح السورية أن تعرف ناحرها، ومن الواجب الإنساني قبل الوطني فضح كل من يقوم بطمس الحقيقة لترويج الأباطيل وتحقيق غايات ومكتسبات على ذلك الأساس.

بناءً على ما ذكر، فهذا يعني أن ما تعرض له الفلسطينيون في مخيم اليرموك لا يشذ أبداً عما تعرض له السوريون في سائر أرجاء سورية، أي أن ماجرى للفلسطينيين السوريين اليوم هو جزء ممنهج مما جرى ترتيبه للسوريين على مدى قرابة عامين. لذلك فإن تسليط الضوء من قبل الإعلام الرخيص المأجور على أن ما جرى في مخيم اليرموك بأنه حرب عرقية يشنها الجيش السوري على الشعب الفلسطيني هو ذروة الانحطاط الأخلاقي في محاولة رخيصة لخلق فتنة فلسطينية سورية على غرار الفتن الطائفية التي يشتغل عليها بضراوة في معركة سوريا وبالتوازي مع حرب إرهابيي القاعدة وسلفيي العالم على أرض سوريا. وإصدار "القيادة" الفلسطينية قرار إدانة – لا أستبعد إعداده سلفاً أثناء صدور أوامر بنقل المعركة مجددا إلى مخيم اليرموك- دليل على صدق ما ذكر أعلاه. فـ"السلطة" الفلسطينية الابنة الشرعية لأوسلو والتي لم تنفك عن بيع تراب فلسطين من تسعينيات القرن الماضي مرورا بتأمين شراء الاسمنت للجدار العازل وليس انتهاءً بتقليص مساحة فلسطين إلى الربع وحتى اللحظة الحالية، لم تنفك في يوم من الأيام عن تأييد وشرعنة كل ما يصب في خدمة الكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني، أي أن إدانتها لما حصل في مخيم اليرموك اليوم هو صك تأييد للمشروع الصهيوني في سوريا لكن هذه المرة على حساب السوريين والفلسطينيين معاً، وتندرج إدانتها هنا ضمن سياسة تجميع النقاط لدى العدو بإننا الأجدر في خدمة أجنداتكم ليس على أرض فلسطين فحسب بل على صعيد المنطقة بأسرها، بمعنى أنه لو كنا بصدد الحيرة حيال توصيف ما جرى في مخيم اليرموك، فإن شجب عباس لما حصل  يقطع علينا كل طرق الحيرة ليؤكد أن ما تم هنالك يندرج فعلا في إطار خطة ممنهجة قذرة لخلق فتنة سورية فلسطينية. أثمة تأييد لكيان العدو وتبرير لممارساته أكثر من أن يتكلم مسؤول من حماس فيقول أن قتلى الفلسطينيين في مخيم اليرموك يفوق قتلى الفلسطينيين في غزة ؟

وفي سياق متصل لا يجب إهمال دعوات المتحدثة باسم الخارجية الأميريكية فيكتوريا نولاند حيث وجدت في أحداث المخيم فرصة لتقويض "التسوية التاريخية" وتشكيل "حكومة وطنية" دعى إليها فاروق الشارع.

لتكتمل فسيفساء الصورة المعقدة علينا تذكر شيء مهم ألا وهو الخبر الذي حاولت الحرب الإعلامية الترويج له ألا وهو رحيل أو ترحيل أحمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كنوع من التأكيد و الترويج لخلاف بين النظام السوري والقيادة العامة للجبهة الشعبية حول مصير الفلسطينيين في مخيم اليرموك، وهو الأمر الذي سارع إلى نفيه حسام عرفات عضو المكتب السياسي للجبهة.

محاولة إحداث القسمة السورية الفلسطينية لم يتم الاشتغال عليها في مخيم اليرموك وحده ، بل بالتوازي مع عدة محاور أخرى على سبيل المثال لا الحصر ذلك التقرير الذي بثته القناة العبرية عن صحفيين اسرائيليين دخلا سوريا وتجولا فيها تحت حماية ما يسمى بالـ "الجيش الحر" لينقلا تطمينات للمستوطنين الاسرائيليين بأنه في مرحلة ما بعد سقوط النظام الحالي في سوريا فإنه لامشكلة للسوريين مع الاسرائيليين لدرجة أن شارون أعتى مجرمي الكيان الصهيوني سيكون قرّة عين السوريين في سوريا الجديدة ،وقبل كل الرسائل العديدة الموجهة والواردة في التقرير ثمة رسالة أهم متمثلة ببث تقرير اسرائيلي من سورية ألا وهي :في الوقت القريب الذي كانت الصورايخ التي تسقط عليكم قادمة أو تحتمل احتمال القدوم من سورية، استطاع صحفييكما الدخول والتجول بحرية في سورية، عززوا من مساعداتكم لنا ليتجول كل من شاء منكم على أرض سوريا متى ما أراد، نحن الذين لا نجد حرج من الظهور على شاشاتكم نقول لكم أهلا بكم في سوريا الجديدة.

لأمرٍ ما جدع قصير أنفه هكذا قالت العرب قديما، وأمهر الأطباء عندما يستعصي عليه العلاج بالعقاقير يلجأ للكي، وأحيانا يقوم بالبتر، لا لإن الطبيب سادي عاشق للتعذيب، ولا لإن المريض مجرم اقترف ذنباً يستأهل من أجله العقاب، بل لإن استشراء المرض يحتّم ذلك على كليهما، وفي تلك الحالة يكون الطبيب والمريض على الدرجة ذاتها من الحزن والألم والأمل.

في كتابه Islam at War يتكلم جورج نافزيكر حرفيا عن أهمية معركة اليرموك في تاريخ الإنسانية فيقول:

Although Yarmouk is little known today, it is one of the most decisive battles in human history…… Had Heraclius' forces prevailed, the modern world would be so changed as to be unrecognizable.

بمعنى : على الرغم من أن معركة اليرموك لا تحظى بشهرة واسعة في يومنا الحالي، إلا أنها واحدة من أكثر المعارك الحاسمة في تاريخ البشرية، فلو قدّر النصر لقوات هرقل يومها، لتغير مسار التاريخ بحيث أصبح عالمنا مختلفا عما هو عليه الآن…

كي لا يحقق هرقل الجديد تحت عباءة الناتو والسلفية والجامعة الصهيوعربية هدفه في معركة يرموك المخيم في سوريا اليوم، علينا أن نتسلح بالوعي ونستذكر عيشنا المشترك ونقرأ فيما وراء الأسطر ونحكّم صوت العقل. انتصار هرقل اليوم أيضا من المؤكد سيغير تاريخ المنطقة.

 

 

No comments

Post a Reply

© 2013 www.ashrafkanjo.com