مخيم اليرموك..هـرقـل جديد لفـتـنة سورية-فلسطينية

سورية فلسطين

أشرف كنجو

صدرت التعليمات لإرهابيي السلفية في العالم و الذين يحاربون في سوريا بنقل نشاطهم الإرهابي  إلى مخيم اليرموك ذي الغالبية الفلسطينية، ليس عبثاً أو عن سوء نية بل بشكل متعمد لتحقيق هدف قذر آخر في شباك سورية الجريحة، حاولوا تحقيقه فيما سبق في محاولات باءت معظهما بالفشل لإحداث انقسام سوري-فلسطيني، فارتأوا معاودة الكرة مع تسليط إعلامي أقوى وأقذر علّها تفيد المحاولة الجديدة، ولا يهمّ أيّاً كان عدد القتلى ولا الدماء المسفوكة في حرب ميكافيليتها كفيلة بتبرير كل الدماء والجثث والدمار والخراب للوصول إلى الغاية.

قاتل هؤلاء الإرهابيون في مخيم اليرموك محتميين بالدروع البشرية التي تقطن المنطقة، كما في كل حروبهم القائمة على دخول مناطق المدنيين واتخاذهم كدروع بشرية، غير آبهين بحرمة الأماكن الدينية والمرافق العامة ذات السبغة الإنسانية الخاصة كدور العبادة والمشافي والمدارس وغيرها ، لذلك  كان من الطبيعي أن يقع ضحايا مدنيين من سكان المنطقة في الاشتباكات التي جرت بين الجيش السوري وجحافل الإرهابيين هنالك،كما حصل في كل منطقة سورية دخلها هؤلاء الإرهابيون . وهنا يتم الخلط عمدا من قبل وسائل الإعلام التي تدير الدفة الرئيسية في الحرب على سوريا، كما حصل أيضا في كل منطقة، بإن الجيش السوري الذي يمارس مهامه الوطنية وفق مقتضيات الدستور في الدفاع عن البلد وأهله هو المتسبب في سقوط الضحايا المدنيين، في حين أن هؤلاء الإرهابيين هم الملائكة المساكين المغلوب على أمرهم ، رغم أنهم هم أنفسهم الذين  شرعوا في معركة جلّ أملهم فيها أن يوقعوا العدد الأكبر من الضحايا المدنيين تمهيدا لدور الإعلام المناط به إكمال النصف الآخر من المعركة، من خلال لعب  دور العدد العاملي الذي يقوم بمضاعفة عدد القتلى، مع الحرص على إلصاق تهمة إزهاق تلك الأرواح البريئة بالجيش العربي السوري .

 كلنا نعرف أنه في حرم الموت والشهادة تحديدا ترفع كل الأقلام وتجف كل الصحف، لكن عار علينا أيضا أن نقتل شهداءنا مرتين ،مرة بإزهاق أرواحهم البريئة والمرة الثانية بتزوير هوية عدوهم وقاتلهم. من حق الدم السوري أن يعرف سافكه، من حق الروح السورية أن تعرف ناحرها، ومن الواجب الإنساني قبل الوطني فضح كل من يقوم بطمس الحقيقة لترويج الأباطيل وتحقيق غايات ومكتسبات على ذلك الأساس.

بناءً على ما ذكر، فهذا يعني أن ما تعرض له الفلسطينيون في مخيم اليرموك لا يشذ أبداً عما تعرض له السوريون في سائر أرجاء سورية، أي أن ماجرى للفلسطينيين السوريين اليوم هو جزء ممنهج مما جرى ترتيبه للسوريين على مدى قرابة عامين. لذلك فإن تسليط الضوء من قبل الإعلام الرخيص المأجور على أن ما جرى في مخيم اليرموك بأنه حرب عرقية يشنها الجيش السوري على الشعب الفلسطيني هو ذروة الانحطاط الأخلاقي في محاولة رخيصة لخلق فتنة فلسطينية سورية على غرار الفتن الطائفية التي يشتغل عليها بضراوة في معركة سوريا وبالتوازي مع حرب إرهابيي القاعدة وسلفيي العالم على أرض سوريا. وإصدار "القيادة" الفلسطينية قرار إدانة – لا أستبعد إعداده سلفاً أثناء صدور أوامر بنقل المعركة مجددا إلى مخيم اليرموك- دليل على صدق ما ذكر أعلاه. فـ"السلطة" الفلسطينية الابنة الشرعية لأوسلو والتي لم تنفك عن بيع تراب فلسطين من تسعينيات القرن الماضي مرورا بتأمين شراء الاسمنت للجدار العازل وليس انتهاءً بتقليص مساحة فلسطين إلى الربع وحتى اللحظة الحالية، لم تنفك في يوم من الأيام عن تأييد وشرعنة كل ما يصب في خدمة الكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني، أي أن إدانتها لما حصل في مخيم اليرموك اليوم هو صك تأييد للمشروع الصهيوني في سوريا لكن هذه المرة على حساب السوريين والفلسطينيين معاً، وتندرج إدانتها هنا ضمن سياسة تجميع النقاط لدى العدو بإننا الأجدر في خدمة أجنداتكم ليس على أرض فلسطين فحسب بل على صعيد المنطقة بأسرها، بمعنى أنه لو كنا بصدد الحيرة حيال توصيف ما جرى في مخيم اليرموك، فإن شجب عباس لما حصل  يقطع علينا كل طرق الحيرة ليؤكد أن ما تم هنالك يندرج فعلا في إطار خطة ممنهجة قذرة لخلق فتنة سورية فلسطينية. أثمة تأييد لكيان العدو وتبرير لممارساته أكثر من أن يتكلم مسؤول من حماس فيقول أن قتلى الفلسطينيين في مخيم اليرموك يفوق قتلى الفلسطينيين في غزة ؟

وفي سياق متصل لا يجب إهمال دعوات المتحدثة باسم الخارجية الأميريكية فيكتوريا نولاند حيث وجدت في أحداث المخيم فرصة لتقويض "التسوية التاريخية" وتشكيل "حكومة وطنية" دعى إليها فاروق الشارع.

لتكتمل فسيفساء الصورة المعقدة علينا تذكر شيء مهم ألا وهو الخبر الذي حاولت الحرب الإعلامية الترويج له ألا وهو رحيل أو ترحيل أحمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كنوع من التأكيد و الترويج لخلاف بين النظام السوري والقيادة العامة للجبهة الشعبية حول مصير الفلسطينيين في مخيم اليرموك، وهو الأمر الذي سارع إلى نفيه حسام عرفات عضو المكتب السياسي للجبهة.

محاولة إحداث القسمة السورية الفلسطينية لم يتم الاشتغال عليها في مخيم اليرموك وحده ، بل بالتوازي مع عدة محاور أخرى على سبيل المثال لا الحصر ذلك التقرير الذي بثته القناة العبرية عن صحفيين اسرائيليين دخلا سوريا وتجولا فيها تحت حماية ما يسمى بالـ "الجيش الحر" لينقلا تطمينات للمستوطنين الاسرائيليين بأنه في مرحلة ما بعد سقوط النظام الحالي في سوريا فإنه لامشكلة للسوريين مع الاسرائيليين لدرجة أن شارون أعتى مجرمي الكيان الصهيوني سيكون قرّة عين السوريين في سوريا الجديدة ،وقبل كل الرسائل العديدة الموجهة والواردة في التقرير ثمة رسالة أهم متمثلة ببث تقرير اسرائيلي من سورية ألا وهي :في الوقت القريب الذي كانت الصورايخ التي تسقط عليكم قادمة أو تحتمل احتمال القدوم من سورية، استطاع صحفييكما الدخول والتجول بحرية في سورية، عززوا من مساعداتكم لنا ليتجول كل من شاء منكم على أرض سوريا متى ما أراد، نحن الذين لا نجد حرج من الظهور على شاشاتكم نقول لكم أهلا بكم في سوريا الجديدة.

لأمرٍ ما جدع قصير أنفه هكذا قالت العرب قديما، وأمهر الأطباء عندما يستعصي عليه العلاج بالعقاقير يلجأ للكي، وأحيانا يقوم بالبتر، لا لإن الطبيب سادي عاشق للتعذيب، ولا لإن المريض مجرم اقترف ذنباً يستأهل من أجله العقاب، بل لإن استشراء المرض يحتّم ذلك على كليهما، وفي تلك الحالة يكون الطبيب والمريض على الدرجة ذاتها من الحزن والألم والأمل.

في كتابه Islam at War يتكلم جورج نافزيكر حرفيا عن أهمية معركة اليرموك في تاريخ الإنسانية فيقول:

Although Yarmouk is little known today, it is one of the most decisive battles in human history…… Had Heraclius' forces prevailed, the modern world would be so changed as to be unrecognizable.

بمعنى : على الرغم من أن معركة اليرموك لا تحظى بشهرة واسعة في يومنا الحالي، إلا أنها واحدة من أكثر المعارك الحاسمة في تاريخ البشرية، فلو قدّر النصر لقوات هرقل يومها، لتغير مسار التاريخ بحيث أصبح عالمنا مختلفا عما هو عليه الآن…

كي لا يحقق هرقل الجديد تحت عباءة الناتو والسلفية والجامعة الصهيوعربية هدفه في معركة يرموك المخيم في سوريا اليوم، علينا أن نتسلح بالوعي ونستذكر عيشنا المشترك ونقرأ فيما وراء الأسطر ونحكّم صوت العقل. انتصار هرقل اليوم أيضا من المؤكد سيغير تاريخ المنطقة.

 

 

يتعلم المرء- خورخي لويس بورخيس

Jorge Luis Borges

 

خورخي لويس بورخيس
ترجمة: يمنى بن ميمون ـ المغرب 
 
 
بعد فترة من الزمن 
يتعلم المرء الفرق الدقيق 
بين إمساك يد
و تقييد روح
و يتعلم أن الحب 
لا يعني الاتكال 
و الرفقة لا تعني الأمن 
 
و يبدأ المرء يتعلم 
أن القُبلَ ليست عقودا و الهدايا ليست وعودا
 
و يبدأ يتقبل انهزاماته برأس مرفوع و أعين مفتوحة
 
و يتعلم أن يبني 
كل طرقه اليوم 
لأن أرض الغد غير آمنة للخطط
و للمستقبل طرقه ليوقعك في المنتصف
 
بعد فترة من الزمن 
يتعلم المرء أن كثيرا 
من الشمس يُحرق
 
لذلك ازرع حديقتك 
و زين روحك بدلَ 
أن تنتظر من يهديك زهوراً
 
و يتعلم المرء أنه حقا يستطيع أن يتحمل 
أنه في الواقع قوي
أنه حقيقةً غالٍ
 
و يتعلم المرء و يتعلم 
و كل يوم يتعلم.
 
 

 

ياسمين الشام العتيقة وفرانك سيناترا

ياسمين الشام

 

كان لي حلم بسيط كما كان يبدو في الماضي القريب.. أن أجمع باقة من الياسمين الأبيض المعرّش على جدران حدائق المنازل المطلّة على شوارع دمشق بوفرة في طريقي إلى منزل حبيبتي، لاصحطبها في "تمشاية" تحت مطر ناعم خفيف في أزقة الشام القديمة …وهنالك يتآمر علينا المطر فيضاعف من وتيرة انهماره…فنركض ضاحكين من زواية لأخرى هرباً من مياه زواريب سطوح البيوت العتيقة المتآمرة مع المطر في رشق العشاق بسهام من مياه ديم دمشق السكوب  …
اليوم تبدو كلمات أغنية فرانك سيناترا "Fly Me to the Moon"

 
 
حيث يقول :
Let me see what spring is like
On a, Jupiter and Mars
 
أسهل تحقيقا من ذلك الحلم الذي كان بسيطا يوما ما !

 

واسيني الأعرج- شآم القلب والروح

 

أحلام مستغانمي- رواية الأسود يليق بكِ- الكلمة كاملة

 
كلمة متميزة للكاتبة أحلام مستغانمي في معرض الشارقة للكتاب 2012 بمناسبة اطلاق روايتها الجديدة "الأسود يليق بكِ".
 
تناولت مستغانمي مواضيع متعددة في كلمتها الثرية.  في استهلال حديثها قالت:" السوريون أول من يتلقف كتبي ويقرأها …اليوم أشعر بأنه لا قيمة للأدب لا سيما أنني كل يوم أفقد حبيبا هنالك و قارىء في الآن ذاته.."
 
تكلمت عن الدكتور سهيل إدريس وكيف كانت كلما سلمته رواية للنشر تدخل في غياب خوفا من ردة فعل القراء..إلى ان يتصل بها ويقول لها عودي الرواية جميلة… أعلنت أنها مع إصدار هذه الرواية رغم كل النجاحات ينتابها الخوف ذاته ..
 
تكلمت عن نزار قباني وكيف أنه قال لإدريس اتركها تمارس جنونها …أجمل الأعمال تلك التي يكتبها المجانين.
 
ذكرت أن على مكتبها صورة لجمال عبد الناصر إلى جانب صورة أبيها .
 
تحدثت بأنها كلما دخلت على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك وتجد مليوني متابع لها تشعر بالخوف والفرح معا.
 
تكلمت عن قرائها بتواضع و ذكرت عندما أقرأ تعليقات قرّائي "أشعر بأنهم يفوقنني بلاغة" و أنها تدرس مشروع كتابة كتاب مشترك مع قرّائها و متابعيها على الفيسبوك .
 
بالمختصر لا مجال لحصر ما ورد في الكلمة …وهي تستحق أكثر من متابعة. 
 
على الهامش ازدحم المعرض بشكل منقطع النظير ، و تدافع الناس في طوابير للحصول على توقيع مستغانمي.
 

الشهيد باسل ملك اسحق

الشهيد البطل باسل ملك اسحق- الصورة مأخوذة عن صفحة القامشلي

 

البطل السوري الشهيد باسل ملك اسحق ليس بشهيد عائلة أو ديانة أو مذهب أو طائفة أو عرق أو أي شيء من هذا القبيل الضيق المقيت، و إن كان بعضهم يصرّ على ذلك فباسل شهيد العائلة السورية الواحدة ، و شهيد الديانة السورية, وشهيد المذهب السوري, وشهيد الطائفة السورية. 
 
رحمةً بروح باسل الطاهرة وعرفاناً بزكي دمّه علينا ألا نحرّف المسار والغاية النبيلة اللذين استشهد في سبيلهما شهيدنا البطل، باسل ابن القامشلي لم يكن شهيد عائلته فحسب لإنه لم يحمل سلاحه ووقف في القامشلي على باب داره ليدافع عن عائلته الصغيرة فقط ، باسل لم يكن شهيد ديانته فحمل سلاحه على باب مسجد أو كنيسة ليدافع عنهما ، الشهيد باسل ملك اسحق ابن القامشلي سافر من مدينته في أقصى شمال شرق سوريا إلى جنوب غرب سوريا البعيد في الزبداني ليدافع عن بلده الحبيب و أخيه السوري في البعيد البعيد لإيمانه بسوريا، و لإيمانه بأن أي شبر في الجمهورية العربية السورية هو جزء من بيته الكبير ، و أن أيّ سوري على أرض الوطن الحبيب هو فرد من أفراد عائلته الكبيرة. 
 
استشهد الشهيد و هو يحارب تحت راية العلم السوري، العلم الذي أفنينا عمرنا ونحن نهتف له من كلمات خليل مردم بيك :
 
رفيفُ الأماني وخَفـقُ الفؤادْ … عـلى عَـلَمٍ ضَمَّ شَـمْلَ البلادْ
 
باسل لم يكتفي بترديد النشيد والعيش على وقع الكلمات وشجون الذكريات، بل أنه سارع إلى واجبه الوطني عندما ناداه العلم ليضم شمل البلاد من أقصى شمال شرقها إلى ابعد جنوب غربها تحت راية آمن بها كما معظمنا مؤمن بها ، في وقت تنصل فيه البعض من ماضيهم و من رايتهم و أخبرونا أن كلماتهم تحت ذلك البيرق كانت محض كذب ،و البعض انزوى ليقول لنا أنه يقف على الحياد لإنه لا يستطيع تحمّل عبء كلمات النشيد و أنه يريد أن يعيش حياته بـ"سلام"، وأيّة حياة بلا وطن ولا كرامة ؟ والبعض يرى أن العلم شأنه شأن أي قطعة قماش ويتعامل معها كما يتعامل مع  جراباته التي يغيرها كل يوم ، هؤلاء من تصنيف كل من "تجوز أمي صار عمي" لا أمل يرجى من حديث معهم.
 
استشهد باسل في سبيل غاية سامية، أمنيتي ألا نقوم بتجيير تلك الغاية السامية وإخضاعها لمآربنا و رؤانا وغاياتنا الخاصة. 
استشهد باسل تحت لواء العلم السوري، العلم ذاته الذي سيكلل جثمانه الطاهر غدا محمولا على أكتاف أبناء وطنه، ليقول لنا الشهيد :
زغردي بالفرحة يا امي بالعلم لفوني ويلي كرمالن ضحيت عكتافن حملوني.
 
 
 

 

East West Guitar Journey Fusion

I played this segment of what I prefer to call " East West Guitar Journey Fusion" on the occasion of the second anniversary of Alsayegh Media celebration.

Since the audience came from many different cultural backgrounds, I tried within the musical notes of the guitar to simulate the concept of a train traveling from one place to another, making stops at several train stations, establishing a bridge connecting people from here and there, shiping goods from one departure station to the next destination stop, and vice versa .

They say music is a harmonic connection between all living beings, hence I tried to mix that breed of harmony and come up with this fusion, to reinforce that music is not only a bridge between earth and heaven, but a bridge between east and west.

 
Segments played from the following pieces: 
 
  • Andante
  • Romance
  • Fairouz instrumental Kan el Zaman w Kan
  • Fairouz instrumental – El Bent el Shalabia
  • Mawteni Theme
  • Malaguena
  • Flamenco Improvisation

أدونيس- من ديوان فضاء لغبار الطلع

قهوة

الهويَّـة ُ ؟ 

قهوةٌ تُسمّى الصّباح ، 
 
في مكان يسمّى الهجرة 
 
حيث يستقبلك شيطانٌ 
 
لا يحملُ في وجهه ، غالباً ، إلاّ الخيرْ .

تهافت التنظير الثوري السوري: ياسين الحاج صالح نموذجاً

ياسين الحاج صالح

عبدالأمير الركابي *

عن جريدة الحياة
الإثنين ١٧ سبتمبر ٢٠١٢
 
نصيحتي للاستاذ ياسين الحاج صالح، ان لا يقرر كتابة «تهافت التهافت»، رداً على إشارتي الراهنة الى تهافت التنظير السوري للثورة، او الإنتفاضة، او سيرورة التغيير الجارية. فالإستعارة التي الجأ اليها في العنوان، لا تفصل بين مجالي الفلسفة والتسليم الإيماني، بقدر ما تحاول التنبيه الى ضرورة الوصول الى فهم او مفهوم، لحالة يبدو انها تستمر في فرض قوانينها، غير عابئة بمن ينظّرون لها او يلاحقون مجرياتها. والامر هنا يبدأ ليس من المحاجّة عن الصواب والخطأ، بل عن الخطأ الدائم، فليس في تاريخ العالم العربي، ومنه سورية طبعاً، اي صواب او صوابية نظرية معروفة، لا في التفصيلات ولا العموميات، اما علو بعض الاصوات، فليس للاسف دليلاً على غير ما أشرت، ان لم يكن باعثه النقص والعجز.
ما الذي تغير، او اوحى بالتغيير سوى الحدث نفسه، فحصول «الإنتفاضات»، اوحى للمتابعات بأنها قد غدت حية، موجودة وحاضرة، ان لم تكن فعالة. وهذا يؤكده سيل «الآراء « اليومي الذي لا يحصى، فالجرائد والمجلات والفضائيات، مزدحمه بـ «العارفين» المواكبين، مع اننا لم نصل بعد الى «نظرية» او الى ملامح تصور معقول لما هو حاصل، واذا دققنا بين ركام المتابعات وحاكمناها، سنعثر على ما بدا وكأنه امر جرى تجاوزه او استدراكه. فالإنتفاضات التي حفزت المتابعات، او غطت بحضورها على «عجزنا النظري» المقيم، تنطوي في العمق على ادانة غير معلن عنها لتلك المتابعات. فالشبيبة التي تقود الإنتفاضات والتي أججتها في غير مكان، لا ترى في هذه المتابعات دليلاً لها، وهي تصر على تجاهلها، معتبرة اياها امتداداً لما قبلها، ومع ان بعض صنوف مثل هذه الكتابات يصر على تملق «الثورات «، الا انه لم يفلح ابداً في اي مكان او ساحة في قيادتها، ناهيك عن ادعاء شرف «ادخال الوعي من الخارج» في بنيتها.
من هو منظر الثورة في مصر وفي تونس او اليمن او سورية؟، من هم منظرو الربيع العربي العرب، وماذا قالوا؟ دعونا من كلام الفضائيات العقيم، المحايث، المتملق، المغرض، والمخطط، او كلام الصحف اليومي المستمد من مقايسات تنتمي للماضي ومصطلحاته وعجز منظريه وقصور رؤيتهم. ماذا يقول على سبيل المثال احدهم من السوريين الذين يواكبون بتميز، شؤون الثورة السورية. استمعوا مثلاً لهذا النص البعثي: «واذا اردنا التعبير عن الامر بوضوح فان من لا يدين النظام ويطالب بإسقاطه فوراً فاقد الاهلية الاخلاقية لنقد الثورة او التحفظ على اشد افعالها سوءاً» (مقال لياسين الحاج صالح، «في خصوص الثورة السورية والاخلاق» الحياة، الاحد 19 آب/أغسطس 2012). أليس في هذا تكرار لنفس خطاب الاطلاق الشمولي، نفس مبدأ التقديس بأسوأ تطبيقاته. انه سيف ارهاب، يتلون حسب الإيقاع. بالأمس كان هذا الكاتب مع «سلمية الثورة»، ثم تحول لمناقشة ظواهر العنف التي بدأت تلوح داخلها متوجساً، وها هو اليوم يقول في نفس المقال: «لقد فرضت الحرب على الثورة».
جيد. اذا كان هنالك من يريد تغيير النظام، ولا يريد حدوث ذلك بالعنف بل سلماً، فهل نعده «فاقد الآهلية الاخلاقية»؟. وماذا اذا اعتقد هذا «الثائر السلمي» بأن من يحملون السلاح، هم اعداء الثورة، وانهم يفتقرون «للاخلاق الثورية»؟ وماذا لو اعتبر هذا ان من يتملقون الثورة، ويقبلون كل تبدلاتها، شخص «يفتقر للأهلية الاخلاقية»، ولا يصلح منظراً، او طامحاً لتمثيل هذا الحدث فكرياً؟
ماذا اذا ضاق عامل مسكين، او مزارع، بما يجري، لأنه معني برزقه وقوت عياله يوماً بيوم، فتذمر او شتم الذين يرفعون السلاح، واعتبرهم «دون أهلية اخلاقية»، مع انه في اعماقه يريد إسقاط النظام او حتى لا يريده. السيد ياسين يقول ان الثورة يمكن، او يجب، ان «تنضبط بقواعد واصول عادلة تتوافق مع قيمها»، ما يعني انها ليست مطلقة، وليست قانوناً به تتحدد الاخلاق والقيم، لا بل يمكن ان «تخرج على القواعد والاصول». إذاً لماذا نرفعها الى مقياس علوي، ونجعل الموقف، مجرد الموقف، من إطلاقيتها دليل ضعف اخلاقي او ممارسة لااخلاقية. ما الذي يقوله فعلاً الاستاذ ياسين؟ الا يدرك ان التبرير الذي يورده، يمكن ان يطبق من موقع يتجاوز عنف النظام وفاشيته، بحيث نسطر مقولات وتبريرات الممانعة والثورة، ووحدة الوطن، ومؤامرات الخارج، وكل هذه موضوعات ليس من المستحيل التدليل عليها جزئياً، بحيث ننتهي للقول، بأن كل من يقف ضد هذا المعسكر «فاقد الاهلية الاخلاقية» ولا يحق له انتقاد النظام، هذا برغم ان بعض التصرفات التي يمارسها النظام والشبيحة تحتاج الى ضبط على «الاصول والقواعد».
شيء غريب ما يكرره السيد ياسين، لأنه يعلمنا عن اشياء، وينسى ان يعلمنا شيئاً عن القضية الاهم: ما هي الثورة؟ ما هي الثورة السورية؟ هل يملك هو ان يقول لنا عيانياً ما هو هذا الحدث، ما هي ابعاده الفعليه، كما يمكن لباحث مميز مثله ان يستنتج من تحري معطياته، وعناصره، وتغيراته وما يحيط به، وما يتداخل معه؟
انا شخصياً لا اعرف، او انني اجاهد في متابعة ما يصدر عن الكتاب السوريين، وعن الاستاذ ياسين الحاج صالح والاستاذ ميشيل كيلو في مقدمتهم، إلا انني، ويا للأسف، لم افهم حتى الآن «ما هي الثورة السورية» بالملموس لا بالانشاء والرغبات والتهويم والانسياق وراء المجريات اليومية. نريد ان نفهم لماذا مثلاً كان هؤلاء الكتاب قبل بضعة اشهر، فخورين بسلمية الثورة وامتيازها عربياً وصمودها السلمي، بينما اصبحوا اليوم اقرب الى الفخر بالعنف؟ والمسألة الاخطر التي نريد ان نعرفها، هي ما اذا كانت سورية على سبيل الإحتمال سائرة الى التدمير لا الى «التغيير»؟ وفي هذا المجال يساورنا قلق شديد، لا نجد ان احداً من كتاب ومواكبي ومنظري الثورة السورية، ينكب عليه محاولاً إقناعنا (ومرة اخرى بالملموس لا بالإنشاء) بان ما يحدث إنتقال الى الامام، نحو المستقبل، وان الادلة على ذلك موجودة في تضاعيف وسياقات وآليات وديناميات الثورة الجارية.
مثل هذا الجواب اهم بكثير من المحاجّات الاخلاقية على اهميتها، بخاصة، مثلاً، اذا نظرنا الى تجربة مثل تلك التي عاشها العراق، وما زال البعض مصراً على أنها، رغم الكارثة، إنتقال بعملية قيصرية، نحو «الديموقراطية»؟
 
* كاتب عراقي
 

أنسي الحاج- عن انثروبولوجيا المدن و الأخلاق والعولمة والروح

أنسي الحاج-المدينة

 

 

يعدّد الفارابي أربعةَ أنواعٍ من المدن (أو المجتمعات) الفاسدة: المدينة الجاهلة، المدينة الفاسقة، المدينة المُبَدِّلة (أي التي انطلقت من مبادئ صحيحة ثم تنكّرت لها) والمدينة الضالّة. خلاصة القول إن الزَيَف والكذب وتكديس المال والتسلُّط والقهر والفوضى والخداع والاحتيال والنذالة هي القواسم المشتركة بين هذه المدن.
ما يسمّيه الفارابي مدناً فاسدة كانت فاسدة في نظر مثاليّي عصره، أي القرن العاشر، وما قبله عصور سقراط وأفلاطون وأرسطو وبودا والمسيح، وقد باتت في ما بعد قبلةَ الشعوب ومرمى آمالها. (كان الفارابي مجايلاً للمتنبّي، وكلاهما عاشا حقبة في حلب، وكانا مقرّبين من سيف الدولة الحمداني. واللافت أن سيف الدولة كان يتبرّم من صلف المتنبّي وكبريائه، كذلك كان، رغم إعجابه بفكر الفارابي، يتضايق من غرابة مَلْبسه وبوهيميّة سلوكه، ممّا أسخطه عليه فأبعده عنه). هل هناك نوعٌ من التطهُّر عن طريق الفساد؟ ذكرنا في البداية الراهب الروسي الخليع الرائي الشافي العجيب راسبوتين. وله أقرانٌ في تاريخ المسيحيّة، غربيّة وشرقيّة. لكنّ فساد راسبوتين كان فساد شخص لا مدينة، وحظوته لدى القيصرة كانت حظوة شخصٍ لا شعب.
للجواب، نأخذ مدناً حديثة كنيويورك وطوكيو ولندن وباريس… هل نستطيع أن نقتطع لكلّ منها نعتاً واحداً؟ ماذا كان الفارابي سيسمّي هذه المدن؟ لا حاجة للتفكير كي نلقى الجواب: لقد أوجد الغرب (لنعتبر اليابان الجديدة جزءاً منه) المعادلة التي تريحه وتقيم التوازن بين مبادئ ثوراته، وأهمّها الثورة الفرنسية 1789، وبين رفاهيّة العيش. بين حقوق الإنسان المعنويّة والأخلاقيّة وحقوقه الاجتماعيّة. بين القانون والتمتُّع بالعيش. بين الدولة والفرد.
ماديّة على خلفيّة القانون، وحريّات مقدّسة على خلفيّة الدولة أُمّ الجميع.
المفهوم الدينيّ لم يعد أساساً في شريعة المدن الحديثة.
هذا هو جوهر العَلْمنة.
لا خطيئة في ظلّ العلمنة لأنّ لا أسطورة معها، لا ثواب ولا عقاب إلّا بميزان العمل والجهد. المجتمع هو عشرات بل مئات بل ألوف المجتمعات في المجتمع الواحد، الحريّة حقّ طبيعيّ بديهيّ لكلّ واحد والقانون هو المَرْجع.
لا حاجة للتطهُّر في المدن الحديثة. وهذا هو أخطر شعور يمكن أن يتملّك إنسان هذه المدن. انتفاءُ الشعور بالحاجة إلى نورٍ يغمرنا، إلى الصعود درجة أبعد في سلّم الروح، هو ضرب من انسداد الشرايين. الإشباع الاجتماعي والمدني ليس نهاية. هو إحدى الغايات ومكافأة صغيرة على معاناةِ عصورٍ من الظلم. مكافأةٌ لا تسقي عطشاً قد يرتدي أحياناً قناع النسبيّ، لكنه عطشٌ إلى مُطْلَق. ونظنّ، بالعكس، كلّما تقدّم الإنسان على طرق الرفاهيّة والتمتُّع بالحقوق وابتكار حقوق جديدة والسعي إليها وتحقيقها، تزايدت حاجته إلى البُعْد الظلالي، إلى ما وراء أعضائه، إلى خلاصٍ من المحدود والمنتهي والمُكرّر والمُعاد، إلى ما يُشعره بالتحليق، باختزال الأبد، باحتطاب الشجر المسحور.
إلى عدم الموت، بالإضافة إلى الموت، جفافاً روحيّاً. يكفيه تهرّؤ أعضائه وتحلُّل بدنه. لا يريد سعادة حياة ريّانة بالقانون وميتة بالتطلُّع والشوق.
رغم القفزات الهائلة اجتماعيّاً وتمدُّنيّاً وحضاريّاً، لا يزال الإنسان رهين الصحراء. بل أصبح أوثق ارتهاناً لها. كيف ينجو؟ هل من خلاص؟
 
© 2013 www.ashrafkanjo.com